مرحبا بك ..
اعتاد أبناء المجتمع الكويتي الخوض في العمل النقابي منذ الصغر، ولعلنا نستذكر بداياتنا في المرحلة الثانوية وانتخابات اتحاد طلبة المدارس، إلى أن اشتد حماسنا في المرحلة الجامعية حيث بدأ الفكر بالنضج من خلال مراهقة سياسية أساسها القوائم الطلابية. لينتهي بنا المطاف إلى مرحلة أكثر نضجا في انتخابات الجمعيات التعاونية والمجلس البلدي وبلا شك مجلس الأمة الكويتي.
كانت لي قناعة في الابتعاد عن الساحة السياسية، فلست من هواة العمل السياسي ومراوغاته، وقد يخيل لك أن نفوري منه كان أشبه بتحريمي له على نفسي. وعلى الصعيد الأخر، أدركت بأني أعشق العمل التنفيذي؛ الذي يحقق أهدافه باستراتيجيات مباشرة أبعد ما تكون عن المراوغة وتبعاتها. ولذلك السبب؛ لا تجد لي أثر في العمل السياسي طوال مسيرتي المهنية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولكن، كما يقال الضرورات تبيح المحرمات، فقد كان للحاجة دور في كسر القاعدة وإباحة ما تعمدت الابتعاد عنه، في يوم اضطررت فيه للتدخل بشؤون "الكُنتُرول" المعني بإدارة الضمانات الانتخابية وعملية الفرز الخاصة بمرشح يعني لي الكثير.
ما هكذا تورد الإبل ..
جاء التدخل نتيجة لإدراكي بانخفاض سقف معايير إتمام العمليات في "الكُنتُرول" وتراجعها، ليس في حملتنا الانتخابية وحسب، بل في أغلب —إن لم يكن جميع— الحملات الانتخابية في الكويت. فقد كانت إدارة الضمانات الانتخابية قائمة بشكل مركزي وبدائي، تفتقر السرعة والمهنية، وتملؤها الأخطاء البشرية والإحصائية؛ كونها قائمة على مدخلات تستخدم جداول بيانات مايكروسوفت إكسل، وأوراق مطبوعة واتصالات مكثفة لتحضير الضمانات الانتخابية يوم الاقتراع، وأرقام فرز تُرسل بواسطة رسائل نصية أو اتصال. الأمر الذي يزيد من مشقة العمل الإداري في الحملات الانتخابية، كما يزيد من احتمالية وقوع الأخطاء، ويجعلها بحاجة ماسة لرأس مال بشري ومادي لتحقيق العوائد المرجوة في يوم الاقتراع. "ما هكذا تورد الإبل" يا سادة!
الحاجة أم الاختراع ..
وبفضل من الله خصني به، كنت المرجع لبعض المقربين في شؤون علم الحاسب الآلي وبرمجياته، والإحصاء وتحليلاته. فكانت بداية المشوار قد تأسست باتصال من مسؤول "الكُنتُرول" في حملتنا الانتخابية، يشكو فيه من محدودية وتقييد جداول بيانات مايكروسوفت إكسل حين يتم إدراجها باستخدام الهواتف الذكية. فقد كان طلبه معني بإنشاء قاعدة بيانات بسيطة تحتوي على قائمة ناخبي الدائرة الرابعة في انتخابات المجلس البلدي. وبعد أن قام بإرسال جداول البيانات تلك، قمت بتدشين صفحة على موقعي الشخصي —خلال ساعتين— تلبي هذا الاحتياج مضافا إليه خاصية البحث المتقدم. للإطلاع على تلك الصفحة، قم بزيارة هذا الرابط.
لم يكن باعتقادي أن الأمر الذي انجزته والطلب الذي أتممت تنفيذه قد يعني للـ "الكُنتُرول" الكثير، أو أن تلك الآليات تحسن من "العلامة التجارية" للمرشح بجعله أكثر تطورا مقابل نظرائه حين ينتشر رابط الناخبين عبر رسائل نصية، أو أن هناك من هو مستعد لاستقطاع جزء من تكاليف حملته الانتخابية لهذا النوع من الخدمات.
لم يكن يوم الاقتراع يوم حافلا —إداريا—، ولكنه ولله الحمد حقق النتائج المرجوة —الفوز—. فكانت كلمتي للأخوة في "الكُنتُرول": "هذه هي المرة الأخيرة التي تسير فيها إدارة الكُنتُرول على هذا النحو!". فكانت هذه هي الخطوة الأولى في تخطيط نظام ضمّن، والقطرة التي يبدأ بها وابل الغيث!
ضمّن، ومراحل الرسم والبرمجة ..
حقيقة، لم أبدأ بهذا النظام متعمدًا، ولم يكن حتى في مراحل تطويره الأولية خطةً أو مشروعًا أنوي المتاجرة فيه أو التخطيط له بعد دراسة وتحليل بغرض الانتفاع من جدواه. لكن، لعل من تمرس في مهنة أو حرفة معينة وقد شغفته حبا وزادته الممارسة فيها تطورا، يدرك ويفهم ما أقصد شرحه بالضبط، فلطالما استهويت البرمجيات وقدرة الخوارزميات المؤلفة على استخراج تحليلات ذات فائدة، ولطالما بدأت بفكرة بسيطة، ولكني فور ما أرى النتيجة أراها تجرني لشيء أخر، وأخر، حتى أنتهي بمخرج لم أخطط له على هذا النحو، ولا شيء أكثر متعة بالنسبة لي من اكتشاف مشكلة، وصنع حلًا لها بالخوارزميات.
فكان التحدي بالنسبة لي، بعد أن عاينت تجربة "الكُنتُرول"وعاهدتهم بإيجاد حل للمشكلة، هو أن أخرج بمنتج قادر على تحقيق أعلى نتائج ممكنة في عملية الاقتراع والفرز بأقل جهد ممكن، وكانت هذه بداية الصناعة. فما كان لي إلا العمل بنماذج "الأنظمة المنفصلة" وكما تعرف بعلم الحاسوب Distributed Systems، لا على الصعيد البرمجي وحسب، بل على الصعيد الإداري فيما يتعلق بمهام "الكُنتُرول". وتمحورت الفكرة الأولية في تبديل الأدوار المعمول بها في اللجان الانتخابية؛ لتحقيق كفاءة أكبر، فبدلا من أن يصبح "الكُنتُرول" هو المعني بإضافة أو تحضير الضمانات يدويا من خلال اتصالات مع أعضاء الحملة، رأيت أنه من الأجدر أن يقوم هؤلاء الأعضاء بإتمام عملية الإضافة أو التحضير باستخدام تطبيقات النظام، لتبقى مسؤولية الإدارة العليا للحملة محصورة بالمتابعة.
وقد كان لتلك النماذج دور فعال لفتح نطاقات جديدة في آليات إدارة التضمين والاقتراع والفرز ومتابعتها. فلم يعد على أعضاء الحملة المكوث بالقرب من مواقع الاقتراع للتأكد من اقتراع ضماناتهم الانتخابية، فقد أتاحت لهم التطبيقات إمكانية معرفة تصويت ضمانهم الانتخابي في الوقت نفسه! أما إن تأخر الضمان للتوجه لمركز الاقتراع، فيمكن لعضو الحملة التواصل معه برسالة تلقائية تحتوي على معلومات المرشح وموقع الاقتراع ورمز الناخب ورقم القيد ورابط خرائط غوغل، دون تدخل عضو الحملة في إدخال أي مما سبق يدويا!
غيض من فيض ..
شيئا فشيئا صنعت تلك الآليات قاعدة بيانات غنية بالأنماط ذات الصلة، وباسترسال غير متعمد. الأمر الذي زاد شغف البحث والتقصي لاستخراج تحليلات تذلل الكثير من الصعاب التي يواجهها الـ "كُنتُرول"، تحليلات تجيب على أسئلة عدة، على سبيل المثال لا الحصر:
١. (بعد الفرز) ما هي نسبة المشاركة في منطقة "مشرف" في قطعة "٢"؟ كم عدد الإناث المشاركات في هذه القطعة؟ وكم من هؤلاء الإناث في الفئة العمرية ٢١ إلى ٣٠ سنة؟ وما هي تفاصيلهم الانتخابية؟
٢. (قبل الاقتراع) ما هو ترتيب القطع السكنية في منطقة "قرطبة" حسب الأكثر ضمانات انتخابية؟ وما هو ترتيبها في حال كانت الضمانات في الفئة العمرية ٣١ إلى ٣٠ سنة؟
٣. (بعد الفرز) ما هي مناطق القوة للمرشح "س"؟ وما هو ترتيبه في كل لجنة من لجان الذكور؟
٤. (قبل الاقتراع) ما هي نسبة الضمانات المشتركة لعضو الحملة "جـ" أو المفتاح الانتخابي "ص"؟ ومن هم هؤلاء الضمانات؟
٥. (قبل الاقتراع) ما هي أكبر الأسر في الدائرة الانتخابية؟ أو في المنطقة؟ أو في القطعة؟ ومن هم أعضاء هؤلاء الأسر؟ وهل هناك من قام بالتضمين منهم؟ من هم الضمانات؟ ومن قام بتضمينها؟
٦. (بعد الفرز) ما هي أكبر الأسر المشاركة في الدائرة الانتخابية؟ أو في المنطقة؟ أو في القطعة؟ أو أكبر الأسر غير المشاركة؟ ومن هم أعضاء هؤلاء الأسر؟
٧. (قبل الاقتراع) ما هي أكبر الأسر في ضمانات الحملة في الدائرة؟ أو في المنطقة؟ أو في القطعة؟ ومن هؤلاء الضمانات؟ ومن قام بتضمينها؟
٨. من هم أعضاء الحملة الأفضل أداء في عملية التضمين؟ ماذا عن أداؤهم في عملية تحضير الضمانات؟ ومن هم ضماناتهم؟ وكم عدد ضماناتهم المشتركة؟ ماذا عن الفريدة؟
وهذا غيض من فيض!
سرية معلومات الحملة الانتخابية ..
لم يغب عن فكري مدى أهمية سرية المعلومات لفريق "الكُنتُرول". ولا شك في أن تلك الأهمية تتعدى ثقة "الكُنتُرول" بفريق ضمّن! لذلك، كان من واجبي أن أحرص على تبرئة تطبيقات ضمّن وملفات واجهة البرمجة من أي شكوك قد تواجه نظام ضمّن من قبل عملائه، وذلك من خلال اعتبار نماذج الأنظمة المنفصلة Distributed Systems ولكن على الصعيد البرمجي هذه المرة.
يتكون نظام ضمن من قالبين. القالب الأول هو قالب التطبيقات التي يتم تثبيتها على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية المستخدمة من قبل أعضاء كل حملة انتخابية على حدة. أما القالب الثاني فهو قالب واجهة البرمجة الذي يتم تثبيته في مساحة الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة الانتخابية مستخدمة النظام.
عند الاستخدام، يقوم القالب الأول —التطبيقات— بإرسال طلب لموقع ضمن يحتوي على نطاق الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة الانتخابية، وذلك للتأكد من صلاحية ترخيص الاستخدام. عند التأكد، تبدأ العلاقة في تبادل المعلومات مباشرة وبطريقة آمنة وسرية بين القالب الأول —التطبيقات— والثاني —واجهة البرمجة في الموقع الإلكتروني للحملة— دون تدخل طرف ثالث في الاطلاع على البيانات. بذلك، لا يمكن لنظام ضمّن —تقنيا ومنطقيا— الاطلاع على تلك البيانات السرية والخاصة بأي حملة انتخابية قائمة على هذا النظام.
ضمن، ليس مشروعا تجاريا وحسب ..
ضمّن، هذا النظام الذكي للحملات الانتخابية، لا يعد بالنسبة لي نشاطا تجاريا يستهدف الربح المادي وحسب. إنما هو اختراع كان وليد احتياج ملموس، وضرورة صنعتها التقنيات الحديثة التي وجب أن أطوعها لخدمة وتسيير الأعمال بشكل أفضل، وهو بعض من العلم الذي أتانا إياه الله وأكرمنا به، ووجب أن نُحدث بنعمته.
إن هذا المنتج الذي أضعه اليوم بين أيديكم وكلي فخر وثقة بالنتائج التي يحققها والمشاكل التي يحلها والأغراض التي يهدفها ما هو إلا مساحة إبداعية أفرغ بها ما أتحلى به من خبرات في علم البرمجة والتحليل الإحصائي. ضمّن، صُنِع كحلٍ لمشكلة برؤية تسعى لتحقيق قيمة مضافة في مجال العمل الإداري الخاص بالحملات الانتخابية. لذلك، لا أعتقد بأن مراحل الرسم والبرمجة قد انتهت حين تم إطلاق هذا النظام، بل هي في بداياتها الجميلة المتطلعة ليوم جديد يضاف به خصائص جديدة ترفع من تلك القيمة المضافة، يومًا بعد يوم وتجربة بعد تجربة! لأنه صُنِع لأجلكم.
الكويت في ١٩ يونيو ٢٠١٩.